قبل أن تعصي الله، اقرأ قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
( سورة المجادلة : الآية 7)
قبل أن يقدم المرء على معصية، يجب أن يعلم أن الله معه، وأن الله يراقبه، وأن الله له بالمرصاد، وأنه يعصي الله وهو في ملك الله، ويعصي الله وهو يأكل من رزق الله، ويعصي الله والله يراه.
وقبل أن يعصي المرء ربه، ينبغي أن يعلم أن الملائكة تحصي عليه جميع أقواله وأفعاله وأعماله، ويكتب هذا في صحيفته، ولا يترك من ذلك ذرة، قال تعالى:
﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
( سورة ق : الآية 18)
﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
( سورة المجادلة : الآية 6)
ويقول أيضاً: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
( سورة الجاثية : الآية 29)
الله يراك، وهو يعلم، ولا تخفى عليه خافية، والملائكة يكتبون كل شيء، ويسجل هذا في صحيفة أعمالك.
وقبل أن يعصي الإنسان ربه ليقرأ قوله تعالى:
﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ﴾
( سورة آل عمران : الآية 30)
وقبل أن يعصي المرء ربه، ينبغي أن يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾
( سورة الكهف : الآية 49)
وقبل أن يعصي المرء ربه، ينبغي أن يصغي إلى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( يُحْشَر الناسُ حفاة عراة غُرلاً، قالت عائشةُ، فقلت: الرجالُ والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمرُ أشد من أن يُهِمَّهم ذلك ))
[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]
لهول المحاسبة.
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، ينبغي أن يذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يرى أمته تساق إلى النار يقول: يا رب، أمتي، فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، فيقول: (( سحقاً، سحقاً ))
[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]
والإنسان قبل أن يعصي الله عز وجل، يجب أن يعلم أن ملك الموت وهو يعالج خروج روحه، ويجذبها جذباً شديداً، تتقطع له جميع أعضائه من شدة جذبته، ويتمنى حينها أن يسبّح تسبيحة واحدة فلا يقدر، أو أن يكبر تكبيرة واحدة فلا يقدر، أو أن يهلل تهليلة واحدة فلا يقدر، أو أن يصلي ولو ركعتين خفيفتين فلا يقدر، أو أن يقرأ ولو آية من القرآن فلا يقدر، فقد ألجم اللسان، وشخصت العينان، ويبست اليدان والرجلان، وطاش العقل من شدة ما يرى.
وقد مرّ عليه الصلاة والسلام بقبر فقال لأصحابه: (( من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال: ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم ))
[ حديث رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ]
نحن أحياء لازال في العمر بقية، القلب ينبض، الفرص متاحة، باب التوبة مفتوح، باب إتقان الصلوات مفتوح، باب تعليم الصلاة للأهل مفتوح.
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، يجب أن يذكر القبر وعذابه، وضيقه وظلمته، وديدانه وهوامه، فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
وقبل أن يعصي المرء ربه، يجب أن يذكر أنه سيقف بين يدي الله عز وجل، ليس بينه وبين الله حجاب ولا ترجمان، فإذا شدد عليه الحساب كان في هلاك كبير.
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ نُوقِشَ الحسابَ عُذِّب ))
[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، يجب أن يقرأ قوله تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (*) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ﴾ ( سورة فصلت21،20)
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، يجب أن يعلم أن لذة المعصية مهما بلغت فإنها سريعة الزوال، مع ما يعقبها من ألم وحسرة، وندم وضيق عيش في الدنيا، وتعرض لعذاب النار يوم القيامة.
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، يجب أن يعلم أن المعاصي ظلمات بعضها فوق بعض، وأن القلب يمرض، ويضعف بالظلم والذنوب والمعاصي، وقد يموت بالكلية.
وقبل أن يعصي الإنسان ربه، يجب أن يذكر أن الذنوب تؤدي إلى قلة التوفيق، وحرمان العلم، وحرمان الرزق، وضيق الصدر، وتعسير الأمور، ووهن في البدن، وقصر في العمر، وموت الفجاءة، وفساد العقل، وذهاب الحياء والغيرة، والأنفة والمروءة، والمعاصي تزيل النعم، وتحل النقم، وتمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وتعرّض العبد لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة، وتخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه ثواب المحسنين.
أعظم عقوبة تنزل بالعاصي أنه يحجب عن الله عز وجل، وإذا وقعت القطيعة بين العبد وربه هلك في الدنيا والآخرة.
ليس لنا إلا التوبة، وباب التوبة مفتوح على مصراعيه في الدنيا: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾
( سورة النساء : الآية 27)
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
( سورة الزمر : الآية 53)
منقوول...