ندور في عجلة الوقت، نسارع الخطى حتى نواكب كل ذي صلة؛ لئلا نصنّف خارج حدود الزمن في زمن السرعة، وسرعة الزمن. نلهث رغبة في تحقيق وجود لنا في كل مجال، وجلين أن يلحق بنا القصور في أي أمر من أمور حياتنا. وتبقى العجلة تدور وندور معها. فنسقط حيناً ونوفق أحياناً. ولكن هل بالإتقان والإخلاص الذي نريد، في زمن لا نقوى على ملاحقة عقاربه وهو ماض إلى تسارع.
عبثاً أن نلم بكل ما نصبو إليه مع كثرة المسؤوليات، وتقلص الوقت، وقديماً قالوا: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، فكيف نقطع وقتاً ينافس السرعة انقضاءً؟.
فالجري لن يزيدنا إلا تعباً، وتعدد المسؤوليات لن تزيدنا إلا تشتتاً، وحتى نستعيض بالحكمة والتنظيم عن الجري ونحقق نوعاً من التوازن بين مسؤولياتنا على اختلافها؛ منزلية وتربوية وزوجية وعملية وعلمية وتعبدية، نحتاج إلى تطبيق ما يسمى بالوقت النوعي؛ وهو الكيفية التي نقضي فيها أوقاتنا مع كل محور من محاور حياتنا، فنحن بحاجة إلى وقت نوعي نقضيه مع أزواجنا نتصارح ونتحاور، نتشارك الهموم والاهتمامات.
بحاجة إلى وقت نوعي، نمضيه مع أولادنا ننشئهم فيه تنشئة صالحة من خلال الاهتمام الفكري وغرس العقيدة الإسلامية، ومن ثم التوجيه والمتابعة سلوكياً واجتماعياً، ولغوياً ودراسياً وصحياً، نستمع إليهم ويستمعون لنا.
نحتاج لوقت نوعي، نتعبد فيه نصلي ونخشع، نقرأ القرآن ونتدبر، نذكر الله وندعوه وكلنا ابتهال ورجاء.. وحب وشوق.
نحتاج لوقت نوعي ننجز فيه أعمالنا وواجباتنا المنزلية والأسرية والمهنية، ووقت نقرأ فيه ما يفيدنا وينمي قدراتنا ويدفعنا نحو الأمام، موقنين أن الوقت ليس بالكم وبعدد الساعات وإنما كيف سنقضي هذه الساعات، فالفرق كبير بين أن نمضي وقتنا بجانب أطفالنا وهم في واد ونحن في واد، أو نقضيه معهم مع الاهتمام والتفاعل والتجاوب، وهكذا الحال في كل أمر نقوم به.
إن الوقت النوعي يجعل لكل دقيقة من حياتنا قيمة وإنجازا وعطاء، فهو في الأسرة أساس تلاحمها وتخطيها لكثير من المشكلات أو المطبات التي يمكن أن نقع فيها، طالما كان الوقت مدروساً ومنظماً وودياً، يركز على تحفيز الإيجابيات ومعالجة الإشكاليات.وهو في العبادة أشبه بالاعتكاف الذي يشد فيه صاحبه المئزر تقرباً وحباً لله وابتغاء مرضاته، وهو في العمل إتقان وإبداع وفي العلم تقدم وتطور.. وفي الحياة نجاح..
منقووول